البديل
*صبيحة شبر
إنها لحظتُك السعيدة ، انتظرت طويلا ، الساعة الثانية ظهرا وقد خلت الشوارع من الفضوليين ، ودنا منك من كنت تتمنين أن تلتقي به ، شهور طويلة مرت عليك وأنت تتفقدين أخباره ، وتتابعين بشوق كبير ما يقولون لك من صفاته ، يشبهه كثيرا ، أيكون هو من فقدته يوما ، وطال انتظارك لأوبته ، و لم تحصدي إلا أشواك الصبر ، عزيزك الذي خرج يوما قبل سنتين غاضبا منكما لأنكما لم توافقا على اقترانه بسلمى ، الفتاة اللعوب التي وقع جميع شبان حيّكم بحبها ، وهي تتلهى بمشاعرهم ، عشرات من الشبان يخطبون ودها ، والمعشوقة لا تود أحدا منهم ، وتتمنى أن تجعلهم يموتون غراما ويعانون ألام الوجد والفراق ، لتتلهى بأوجاعهم ، جاءك يوما يزف لك البشرى
- أريد أن أكمل نصف ديني يا أمي ..
- إنها فرحة العمر يا بني ، يسرني أن اخطب لك من اختارها قلبك لتشاركك رحلة الحياة..
- سوف تخطبينها رغم من تكون ؟
- لا يهمني من تكون ، مادام قلب ولدي الحبيب يطلبها
- إنها سلمى جارتنا يا أمي
تسكتين ، أخذت على حين غرة ، لم تكوني تتوقعين إن ابنك البار والذي رضع مكارم الأخلاق، وشب على احترام المبادئ والقيم ، يريد سلمى الخارجة على العادات والتقاليد ..
- ماذا قلت يا أمي ؟
- أعطنا فرصة لنفكر أنا وأبوك
- لا داع للتفكير يا أمي ، لقد اتخذت قراري
تعود بك ذكريات ذلك اليوم الحزين ، هل عاد ابنك بعد غيابه ، و اشتاق قلبه الى حنانكما الكبير وعطفكما العظيم ، إنكما الآن وحيدان في الزقاق الضيق ، وقد آوى الناس إلى منازلهم في هذا الحر اللافح ، تتمنين أن تتحدثي معه ، هو لم يرك كنت تتابعين أخباره ، لا يعلم بأمرك ، يسكن عند عمته المريضة ، تشكين بصدق كلامها ، من أدراك أن ما تدعيه صحيح ؟ ، لم تكن تخبركم شيئا عن ابن أخيها، المسافر إلى بلاد أجنبية ثم عاد إلى وطنه فجأة ، ألا يمكن أن تكون كاذبة ، هذا الشاب الوسيم هو ابنك الذي فقدته قبل عامين حين خرج غاضبا
- مستحيل يا ابني أن أوافق على هذا الزواج ، اختر أي فتاة أخرى من بنات العائلات ، وسوف اذهب لخطبتها فورا ، سلمى لن اقبل بزواجك منها ، أنت ابني وعليك طاعتي..
نفس ملامح الوجه ، ابتسامته التي تغمر قلبك بالسعادة ، لم يخفت توهجها ، عين الوسامة والمظهر الأنيق ، سمرة البشرة الجميلة ،إلا إن ابنك لم يكن غامق اللون ، الفراق كان عامين اثنين ، ولا تدرين كيف عاشهما ، تعذب حتى حصل على عمل ، سهر الليالي وتحمل الصعاب من أجل الرزق ، هل وجد المعاملة الجميلة التي كان يلقاها في منزل الوالدين ، كل شيء ينقلب ما إن يغادر المرء موطن الحب والحنان ،هل نفذ قراره ،و تزوج سلمى ،ثم خبر سلوكها الفاحش ، فأراها ما تستحق من حزم ؟
- انه ابني وقد تعبنا في تربيته ، سوف يكون مسرورا حين يراني بعد عامين كاملين ، كنت حنونة دائما معه ، وأكثر من كل الأمهات الأخريات ، علمته على الاعتزاز بالنفس واحترام الآخر ..
يدنو منك ،اختلافات قليلة ، خلقتها المعاناة الطويلة، وهو بعيد عن حضن الأبوين وعطفهما ، سيكون بارا بك ، ويخفف من وحدتك ،فبعد إن فارقك الابن مات الأب مقهورا ، فلم يكن لهما سواه ، وسوف يعرف قدرك ويشفق على حرمانك من وحيدك..
- مساء الخير
- مساء النور سيدتي
اختفى الصوت الدافئ ، والنبرات الهادئة الواثقة ، والنظرات التي تتوهج حنانا ومحبة ، سلم عليك وحاول أن يمضي في طريقه لا مباليا بما تشعرين به من أحاسيس متعارضة..
- ما اسمك يا بني
- كريم
ابنك كان محمودا ، هل مازال غاضبا ويدعي اسما آخر ، يختلف كثيرا عن ذلك المخلوق الحبيب ، شتان بين حبيبك وهذا الغريب، أين ذهب ابنك ؟ أنسيك حقا ؟ وهل استطاع قلبه الكبير ان يسلوك ؟ ،أنت أمه.. تحبينه أكثر من أي مخلوق آخر ، لم يسأل عنك ، ولم يهتم بمعاناتك وآلامك وهو بعيد ، تناسى كل تعبك من أجله وسهرك الليالي الطوال لتنويمه، تهدهدينه وتغنين له ، تنكر لكل تضحياتك ،كيف يمكن ان تتحملي هذا العقوق ، لم تسيئي إلى ولدك ، أبوه لم يوافق على خطبة سلمى ،وحاولت إقناعه ، فلم يستمع إليك ، فما ذنبك أنت ؟ تودين أن تجدي مبررا لكل هذا الجحود الذي يقابلك به .. ابنك تعرفينه ، تمام المعرفة ، هل تتوه الأم عن ابنها الوحيد ، عمن قضت الليل تناجيه وتعتني به ، تسهر على راحته ، هل نسيك حقا ؟ أم إن عارضا قويا ألمّ به ، أين هو الآن ، هل مضى ككل الآلاف من أبناء قومك بطرق مجهولة ، وغيبته الأرض اليباب التي لم ترحم أحدا ؟ وهل مضى لأنكما لم توافقا على طلبه ؟ أم هناك أمر آخر اجبره على الذهاب ؟ من يمكنه أن يعرف ، والغموض يحيط بك من كل جانب ، ومئات المفقودين تنبئك ان سبب غياب حبيبك لم يكن كما توهمت ، مالك ولهذا المخلوق ، وكيف تريدين ان يكون ابنا لك ؟ هل نستطيع ان نوجد محبة الابن من أناس مجهولين نجدهم في الشوارع؟
- الوحدة قاسية ، وقد قضيت عمري غريبة منبوذة .. سأعتني بهذا الإنسان ، وسيكون لي ابنا تعويضا عمن فقدت .. حزن طاغ يظهر عليه ، قد أجد معه بديلا عن عزيز اختفى .
ينطلق السؤال رغما عنك :
- ألا تعرفني ؟
- لا ..مع الأسف.. سيدتي
تكتمين آلامك وشعورك المتواصل بالخيبة :
- هل نسيت أمك يا بني ؟
- ماذا ؟ ماذا تعنين سيدتي ؟
- هل تذكر أمك ؟
- لا ادري سيدتي ليس لي أم
يبتعد عنك ، يتجاهل آلامك،ويستخف بمتاعبك ،يستهزئ بلوعتك واشتياقك الى أن تحضني ابنك الوحيد وتضميه الى صدرك الظامئ ، هل أنسته معاناة عامين كيف يمكن للام ان تصبر حين يتنكر لها ابنها الوحيد ..
يلتفت إليك
- - عذرا سيدتي ، ماتت أمي وأنا رضيع ، كيف يمكن لي أن أتذكرها
*قاصة عراقية
2 آب 2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق