السبت، 13 نوفمبر 2010

تكست -العدد الثامن: البـــديــــــــــل - نص كتبته صبيحـــــة شـــبر



البديل


   *صبيحة شبر


 إنها لحظتُك السعيدة ، انتظرت طويلا ،  الساعة الثانية ظهرا وقد خلت الشوارع من الفضوليين ، ودنا منك من كنت تتمنين أن تلتقي به ، شهور طويلة مرت عليك وأنت تتفقدين أخباره ، وتتابعين  بشوق كبير  ما يقولون لك من صفاته ، يشبهه كثيرا ، أيكون هو من فقدته يوما ، وطال انتظارك لأوبته ، و لم تحصدي إلا أشواك الصبر ، عزيزك الذي خرج يوما قبل سنتين غاضبا منكما لأنكما لم توافقا على اقترانه بسلمى ، الفتاة اللعوب التي وقع جميع شبان حيّكم بحبها ، وهي تتلهى بمشاعرهم ، عشرات من الشبان يخطبون ودها ،  والمعشوقة  لا تود أحدا منهم ، وتتمنى أن تجعلهم يموتون غراما ويعانون ألام الوجد والفراق ، لتتلهى بأوجاعهم  ، جاءك يوما يزف لك البشرى

- أريد أن أكمل نصف ديني يا أمي ..

- إنها فرحة العمر يا بني ، يسرني  أن اخطب لك من  اختارها قلبك لتشاركك رحلة الحياة..
-           سوف تخطبينها رغم من تكون ؟
-         لا  يهمني من تكون ، مادام  قلب ولدي الحبيب يطلبها
-          إنها سلمى جارتنا يا أمي
 تسكتين ، أخذت على حين غرة ،  لم تكوني تتوقعين إن ابنك البار والذي رضع مكارم الأخلاق، وشب على احترام المبادئ والقيم ، يريد سلمى الخارجة على العادات والتقاليد ..
-         ماذا قلت يا أمي ؟
-          أعطنا فرصة لنفكر أنا وأبوك
-          لا داع للتفكير يا أمي ، لقد اتخذت قراري


 تعود بك ذكريات ذلك اليوم الحزين ، هل عاد ابنك بعد غيابه ، و اشتاق قلبه الى حنانكما الكبير وعطفكما العظيم ،  إنكما الآن وحيدان في الزقاق الضيق ، وقد آوى الناس إلى منازلهم في هذا الحر اللافح ، تتمنين أن تتحدثي معه ، هو لم يرك    كنت تتابعين أخباره ، لا يعلم بأمرك ، يسكن  عند عمته المريضة ، تشكين بصدق كلامها ، من أدراك أن ما تدعيه صحيح ؟ ، لم تكن تخبركم شيئا عن ابن أخيها، المسافر إلى بلاد أجنبية ثم عاد إلى وطنه فجأة ، ألا يمكن أن تكون كاذبة ، هذا الشاب الوسيم هو ابنك الذي فقدته قبل عامين حين خرج غاضبا


-         مستحيل  يا ابني أن أوافق  على هذا الزواج ، اختر أي فتاة أخرى من بنات العائلات  ، وسوف  اذهب لخطبتها فورا  ، سلمى لن اقبل بزواجك منها  ، أنت ابني وعليك طاعتي..
 نفس ملامح الوجه ، ابتسامته التي تغمر قلبك بالسعادة ، لم يخفت توهجها ، عين  الوسامة  والمظهر الأنيق ، سمرة البشرة الجميلة   ،إلا إن  ابنك لم يكن غامق اللون ،  الفراق كان عامين اثنين ، ولا تدرين كيف عاشهما ، تعذب حتى حصل على عمل ، سهر الليالي وتحمل الصعاب  من أجل الرزق ،  هل وجد المعاملة الجميلة التي كان يلقاها في منزل الوالدين ، كل شيء ينقلب ما إن يغادر المرء موطن الحب والحنان ،هل نفذ قراره ،و تزوج سلمى ،ثم خبر سلوكها الفاحش ، فأراها ما تستحق من حزم ؟


-         انه ابني وقد تعبنا في تربيته ، سوف يكون مسرورا حين يراني بعد عامين كاملين ، كنت حنونة دائما معه ، وأكثر من كل الأمهات الأخريات ،  علمته على الاعتزاز بالنفس واحترام الآخر  ..
 يدنو منك ،اختلافات قليلة ، خلقتها  المعاناة الطويلة، وهو بعيد عن حضن الأبوين وعطفهما ، سيكون بارا بك ، ويخفف من وحدتك ،فبعد إن فارقك الابن مات الأب مقهورا ، فلم يكن لهما سواه ، وسوف يعرف  قدرك ويشفق على حرمانك من وحيدك..
-          مساء الخير
-         مساء النور سيدتي



   اختفى الصوت الدافئ   ، والنبرات الهادئة الواثقة ، والنظرات  التي تتوهج حنانا ومحبة ، سلم عليك   وحاول  أن يمضي في طريقه لا مباليا بما تشعرين  به من أحاسيس متعارضة..
-         ما اسمك يا بني
-           كريم



ابنك كان محمودا ، هل مازال  غاضبا ويدعي اسما آخر ، يختلف كثيرا عن ذلك المخلوق الحبيب ،  شتان بين حبيبك وهذا الغريب، أين ذهب ابنك ؟ أنسيك حقا ؟  وهل استطاع قلبه الكبير ان يسلوك ؟ ،أنت  أمه.. تحبينه  أكثر من أي مخلوق آخر ، لم يسأل عنك  ، ولم يهتم بمعاناتك وآلامك وهو بعيد ، تناسى كل تعبك من أجله وسهرك الليالي الطوال  لتنويمه، تهدهدينه وتغنين له ، تنكر  لكل تضحياتك ،كيف يمكن ان تتحملي هذا العقوق ، لم تسيئي إلى ولدك ، أبوه  لم يوافق على خطبة سلمى ،وحاولت  إقناعه ، فلم يستمع إليك ، فما ذنبك أنت  ؟ تودين  أن تجدي  مبررا لكل هذا الجحود الذي يقابلك به ..  ابنك تعرفينه ، تمام المعرفة ، هل تتوه الأم عن ابنها الوحيد ، عمن قضت الليل تناجيه وتعتني به ، تسهر على راحته ، هل نسيك حقا ؟ أم إن عارضا قويا ألمّ به ، أين هو الآن ، هل مضى ككل الآلاف من أبناء قومك بطرق مجهولة ، وغيبته الأرض اليباب التي لم ترحم أحدا ؟ وهل مضى لأنكما لم توافقا على طلبه ؟ أم هناك أمر آخر اجبره على الذهاب ؟ من يمكنه أن يعرف ، والغموض يحيط بك من كل جانب ، ومئات المفقودين  تنبئك ان سبب غياب حبيبك لم يكن كما توهمت ، مالك ولهذا المخلوق ، وكيف تريدين ان يكون ابنا لك ؟ هل نستطيع ان نوجد محبة الابن من أناس مجهولين نجدهم في الشوارع؟


- الوحدة قاسية ، وقد قضيت عمري غريبة منبوذة .. سأعتني بهذا الإنسان ، وسيكون لي ابنا تعويضا عمن فقدت .. حزن طاغ يظهر عليه ، قد أجد  معه بديلا عن عزيز اختفى .
ينطلق السؤال رغما عنك :
-         ألا تعرفني ؟
-          لا ..مع الأسف.. سيدتي
  تكتمين آلامك وشعورك المتواصل بالخيبة :
-         هل نسيت أمك يا بني ؟
-         ماذا ؟ ماذا تعنين سيدتي ؟
-         هل تذكر أمك ؟
-          لا ادري  سيدتي ليس لي أم
 يبتعد عنك ، يتجاهل آلامك،ويستخف بمتاعبك ،يستهزئ بلوعتك واشتياقك الى أن تحضني ابنك الوحيد وتضميه  الى صدرك الظامئ ، هل أنسته معاناة عامين كيف يمكن للام ان تصبر حين يتنكر لها ابنها الوحيد ..


 يلتفت إليك



-         - عذرا سيدتي ، ماتت أمي وأنا رضيع ، كيف يمكن لي أن أتذكرها




*قاصة عراقية
                                                                   
2 آب 2010



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق