في الترجمة و السياسة
*د. عادل الثامري
لم يعد إنتاج و استقبال النص محددا بلغة او ثقافة واحدة في عالم اليوم الذي تسود فيه قيم العولمة ونتائج التكنولوجيا في تقليل كلفة الاتصال بين مختلف مناطق العالم . و ينطبق هذا عمليا على كل مجالات التفاعل الإنساني وهو ينطبق على السياسة لكونها نوعا من التفاعل الانساني ويؤثر الخطاب السياسي على الاتصال الثقافي البيني و من ثم على الترجمة. فضلا عن هذا يعتمد الاتصال السياسي على الترجمة ومن خلال الترجمة تتوفر المعلومة إلى متلقين خارج الحدود الوطنية. و كما يقول (انتوني بيم) فان للعولمة بوصفها صيرورة اقتصادية عواقب على الدور الاجتماعي للترجمة وهذه العواقب ستؤثر على التنظيم السياسي لدراسات الترجمة بوصفها حقلا بحثيا اذ يمكن للترجمة ان تؤسس ، كما يقول (لورنس فينوتي)، لوسائل ثقافية تقاوم الرأسمالية المتعددة القومية و المؤسسات الثقافية التي تتحالف مع الاقتصاد العولمي الراهن.
ويمكن الخوض في ثلاث مسائل جوهرية في العلاقة بين الترجمة و السياسة هي : سياسة الترجمة ذات البعد العام و الجانب العملي التداولي لإشكالية ترجمة النص السياسي و كذلك تسييس الترجمة؛ و هذه جميعا ستؤدي في النهاية حتما الى الولوج الطبيعي الى افاق جديدة في الدراسات الترجمية
.
.
هنا لابد من التأكيد ان اللغة هي العامل المشترك الأهم بين كل من السياسة تعريفاتها و تصنيفاتها من جهة و الترجمة من جهة أخرى. فالحوارات السياسية و البيانات و الدساتير و المقابلات الإعلامية هي أنواع من الأفعال اللغوية وهي ذات سمات و ملامح تحقق وظيفة اتصالية مثل الإقناع والجدل والتهديد و الوعيد و غيرها . و قد اكتسبت العلاقة بين اللغة و السياسة اهتماما اكبر في السنوات العشرين الأخيرة مع بروز فروع من اللسانيات مثل تحليل الخطاب النقدي و اللسانيات النقدية وتحليل الخطاب السياسي و هي فروع تهتم بدراسة الأبعاد السياسية للغة و الأبعاد السياسية للغة .هذا فضلا عن حقول مجاورة أخرى مثل علم الاجتماع و الفلسفة.
في مستهل رسالته (السياسة) يعرف ارسطو الانسان بوصفه حيوانا سياسيا طالما انه حيوان ناطق. بهذا المعنى الاصلي يمكن النظر الى اللغة بوصفها شكلا من اشكال البراكسيس طالما انها الوسط الذي يحصل فيه الفعل السياسي (على شكل برامج و شعارات و قوانين و لوائح و مناظرات). اللغة هي ما يجعل من الافكار تكتسب قوة مادية حين تجذب الجماهير ذلك أن هذه الافكار تجد ماديتها في الكلمات التي تؤسسها. لقد بحث الفيلسوف الايطالي (باولو فيرنو) في أرخنة هذا الامر و جعله خصيصة من خصائص الرأسمالية المتأخرة والتي اطلق عليها اسم " مرحلة ما بعد الفوردية" (نسبة الى مؤسسة فورد الامريكية). يدعي فيرنو ان اللغة ، في تلك المرحلة ،توقفت عن ان تكون اداة فقط ، أي مجموعة من العلامات تستعمل كأدوات لفظية للتواصل ( فالقردة يمكنها ان تستعمل مثل هذه العلامات عندما تذهب معا للبحث عن الطعام)،ان اللغة في مرحلة مابعد الفوردية مختلطة بصيرورة العمل و انجازاته.
يقول لورنس فينوتي في كتابه (فضائح الترجمة ) " الترجمة، مثل أي استعمال للغة ،هي اختيار يرافقه اقصاء و تدخل في اللغات المتنافسة التي تؤسس لأية حلقة تاريخية" و هذا الاختيار يتأثر بمجموعة من العوامل ليس اقلها العامل السياسي فالمترجم جزء من مجتمع تديره السياسة . ومن اولى الملاحظات في هذا الامر ضمن دراسات الترجمة المعاصرة ملاحظة لوفيفر حول الراعي( patron) و التي درس من خلالها تاثير السلطة على انتاج الترجمة و لمفهوم الرعاية هذا مكونات ثلاثة هي: المكون الايديولوجي و المكون الاقتصادي و المكون الاجتماعي و هذه المكونات الثلاثة هي بطبيعتها سياسية ذلك انها ترتبط بعلاقات السلطة و القوة في المجتمع. فالدولة العباسية مثلا هي التي شجعت و دعمت حركة الترجمة و انشأت لذلك بيت الحكمة و ادرك الخلفاء العباسيون اهمية الترجمة لتحقيق اهدافهم فراحو يغدقون العطاء على المترجمين.
مع بروز مناهج و مقاربات الدراسات الترجمية الوصفية و الوظيفية و الدراسات الترجمية المتأثرة بالدراسات الثقافية على ايدي زوهار و توري ومن ثم لوفيفر و باسنيت و فينوتي ظهرت اسئلة تتعلق بمن يقرر ماذا يترجم ؟ و من اية لغة يمكن الترجمة؟ وما هي الظروف التي تحكم المترجم و عمله و سلوكه؟ و من يختار المترجمين و من يدربهم؟ و هذه الاسئلة ترتبط بالسياسة فالمترجم يقوم بعمله في سياق ثقافي و سياسي محدد.
في هذا الاطار نشطت دراسة السياسات الترجمية في ظل الانظمة الاستبدادية فقد درست سياسات الترجمة و النشر ابان الحكم النازي في المانيا و كذلك الخطاب الذي اظهر ان هناك انماطا من الممارسات في اختيار النصوص للترجمة لتحقيق هدف بناء الهوية القومية، فترجم الادب الذي يساهم في بنائها. كما ظهرت دراسات تتناول عمل مؤسسات النشر اثناء الحكم الفاشي في ايطاليا. و هناك مشاريع في اسبانيا و في البرتغال لدراسة انماط الرقابة على الادب و السينما و المسرح في ظل الانظمة الدكتاتورية في القرن العشرين . كما ان سياسة الترجمة تشمل الحقيقة السياسية في ان اللغة الانكليزية باتت اللغة المهيمنة في الترجمة و يرجع هذا الى قوة الولايات المتحدة الامريكية و الارث الاستعماري لبريطانيا الذي جعل من الانكليزية اللغة المستعملة في السياقات التواصلية في العالم و كذلك في التبادل العلمي و الاكاديمي للمستعمرات السابقة. و أدى هذا الى فقدان التساوي في اتجاهات الترجمة حيث اصبحت الترجمة من الانكليزية الى اللغات الاخرى اكبر بكثير من الترجمة اليها.
اما تسييس الترجمة فهو وضع النص المترجم ليخدم اغراضا سياسية كما هو الحال في وثائق الامم المتحدة و التي توضع في نسخ بلغات متعددة مما يفسح المجال للتأويل و الاختلاف في تفسير المواد التي تحويها تلك الوثائق و يؤدي ذلك في الواقع الى اتخاذ مواقف و القيام بنشاطات سياسية استنادا للتأويلات المختلفة. و المثال الاشهر هو قرار مجلس الامن الدولي 242 الصادر عام 1967، فالنسخة الانكليزية لم يستعمل فيها اداة تعريف قبل كلمة territories (مناطق)مما قاد الى وجود قراءتين هما (الانسحاب من بعض المناطق أو الانسحاب من كل المناطق)، واستعمل هذا الامر لاغراض سياسية.
فضلا عن ذلك فان الكثير من الدول تمتلك مؤسسات متخصصة في ترجمة الخطاب السياسي للأنظمة القائمة الى اللغات الاجنبية و الغرض هو بث افكار تلك الانظمة و ايصال صورتها الى المجتمعات الاخرى من اجل كسب التأييد او نشر الافكار كما حصل مع ترجمة اعمال ماركس ولينين و ماو و كذلك نقل الاداب السوفيتية الى العالم.
و في العراق ،خلال فترة حكم النظام الدكتاتوري، كانت هناك مؤسسات مهمتها ترجمة خطابات رأس النظام الى العديد من اللغات و قد رصدت الاموال الكثيرة لهذا الامر و قد قامت هذه المؤسسات بترجمة و نشر الكتب الاساسية التي تروج لافكار حزب البعث و مؤتمرات الحزب القطرية .
كما ان العديد من الدول تمتلك مؤسسات مرتبطة بوزارة الخارجية تقوم بترجمة الخطابات و البيانات الصحفية لخدمة دبلوماسييها. فالترجمة كنتاج اصبحت تستعمل في الفعل السياسي. و انشأت عددا من شبكات المترجمين غير الربحية مثل (مترجمون من اجل السلام) التي اعلنت في بيان تأسيسها انها ستنشر رسائل في كل اللغات ضد الحرب كوسيلة لحل النزاعات.
ان العلاقة بين السياسة و الترجمة علاقة وثيقة و يمكن لدراسة مثل هذه العلاقة المتعددة الوجوه ان تقدم لنا تبصرات مهمة حول الترجمة نتاجا و صيرورة فضلا عن ان مثل هذه الدراسات تسهم في تطوير و تعزيز اتجاه جديد هو الدراسات الترجمية النقدية.
*أكاديمي عراقي
يااا دكتور يا محترم. ان هذا المقال ما هو الا ترجمة لكلام كريستينا شافنر و تنسبه اليك ...يا للعار.... سرقة ادبية و علمية يا سلام
ردحذف